السعودي طيرٌ حر… والكرة ليست حبارى
تردّد في الذاكرة عبارة: «السعودي طير حر والكرة عنده حبارى»، وهي عبارة نشأنا عليها، وتشرّبناها صغارًا بوصفها نشيد فخرٍ وانتماء، مرتبط بثقافة الصحراء والصيد والفروسية. غير أنّ المشكلة لا تكمن في الأغنية ذاتها، بل في إسقاط معناها على كرة القدم، وكأنّ اللعبة لا تحتاج سوى عقلية الصيد والمطاردة والانقضاض.
صيد الحبارى فعلٌ مختلف تمامًا عن لعب كرة القدم.
في الصيد، الفرد هو الأساس: مطاردة، تخفٍّ، هجوم خاطف، صقر ينقض، أو بندقية تُطلق. القرار فردي، والنجاح مرتبط بالجرأة والسرعة والغريزة. لا مجال للتخطيط الطويل، ولا قيمة تُذكر للتعاون المعقّد أو العمل الجماعي المنظّم. هي لحظة مواجهة بين صيّاد وفريسة، يحسمها التفوق اللحظي.
أمّا كرة القدم، فهي نقيض هذه العقلية تمامًا.
هي لعبة جماعية بامتياز، تقوم على الانضباط، وتراكم الجهد، وبناء الهجمة، والتوازن بين الدفاع والهجوم. تحتاج إلى وعي تكتيكي، وقراءة للمساحات، وقدرة على التضحية بالمتعة الفردية من أجل الفريق. المهارة هنا ليست في الانقضاض، بل في التمرير، والتمركز، والصبر، واللعب ضمن منظومة متكاملة.
عندما نُصرّ على التعامل مع كرة القدم بعقلية “الصيد”، فإننا نُفرغ اللعبة من جوهرها. نبحث عن اللاعب المنقذ، لا عن الفريق المتماسك. نحتفي باللقطة الفردية، ونتجاهل التنظيم. نغضب من التمرير الخلفي، ونطالب بالهجوم الأعمى، وكأن الهدف يُؤخذ بالقوة لا بالعقل.
الأغنية جميلة في سياقها الثقافي، وتراثية في معناها، وتعكس صورة الفارس الحر في الصحراء. لكنها لا تصلح كمرجعية ذهنية لفهم كرة القدم الحديثة. الكرة اليوم علم قبل أن تكون حماسة، ومنظومة قبل أن تكون شجاعة، وعمل جماعي قبل أن تكون استعراضًا فرديًا.
الخلط بين ثقافة الصيد وثقافة كرة القدم هو أحد أسباب الإحباط المتكرر. لأننا نطلب من لعبة جماعية أن تُدار بعقلية فردية، ومن منظومة تكتيكية أن تُحسم بغريزة الصقر. والنتيجة؟ أداء متذبذب، قرارات انفعالية، ومطالب جماهيرية لا تنسجم مع واقع اللعبة.
ليس في الأمر انتقاص من التراث، ولا من الأغنية، ولا من رمزية “الطير الحر”. لكن لكل مقامٍ مقال، ولكل ثقافة مجالها. الصيد له رجاله وقوانينه، وكرة القدم لها رجالها وعلمها. ومن أراد النجاح في المستطيل الأخضر، فعليه أن يخلع عباءة الصياد، ويرتدي عقلية اللاعب الجماعي.

