رئاسة اتحاد الكرة بين العاطفة والاحتراف: نواف التمياط نموذجًا
يُعد منصب رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم من أكثر المناصب حساسية وتأثيرًا في المنظومة الرياضية، لما له من انعكاس مباشر على الشارع الرياضي، والمنتخبات الوطنية، والأندية، فضلًا عن صورة الرياضة السعودية إقليميًا ودوليًا. وهو منصب لا يحتمل الارتجال أو القرارات الانفعالية، بل يتطلب شخصية تمتلك ثقافة واسعة، وخبرة تراكمية، ورؤية استراتيجية بعيدة المدى، قادرة على إدارة التفاصيل وصناعة القرار في آن واحد.
رئيس الاتحاد يجب أن يكون تكنوقراطًا حقيقيًا، يجمع بين المعرفة العلمية والتجربة العملية، ويمتلك فهمًا عميقًا للعبة من داخل الملعب وخارجه، بعد أن مارسها وعاش تفاصيلها فنيًا ونفسيًا وإداريًا. كما أن القيادة في هذا الموقع لا تُمنح بالصفة، بل تُثبت بالفعل، وتتجلى في القدرة على اتخاذ القرار الصعب في التوقيت الأصعب، دون أن تطغى العاطفة على الحكمة، أو المجاملة على المصلحة العامة.
ومن أهم متطلبات هذا المنصب القدرة على التعامل الاحترافي مع الإعلام، وامتصاص ردود الفعل الجماهيرية، دون الانجرار خلف الضغوط أو ممارسة المزايدة لكسب رضا آني. فمغازلة الشارع الرياضي قد تحقق قبولًا مؤقتًا، لكنها غالبًا ما تُفضي إلى قرارات خاطئة إذا غابت الرؤية وحضرت العاطفة، وهو ما لا تحتمله مرحلة تتطلب العمل بهدوء وثبات.
كما أن النزاهة، والحياد، والقبول العام، تمثل ركائز أساسية لا غنى عنها. وحتى وإن كانت الميول الشخصية معروفة، فإن أمانة المنصب تفرض أن تكون مصلحة الوطن، ونجاح الرياضة السعودية، وقيم المواطنة، فوق كل اعتبار، بعيدًا عن التعصب أو الانحياز لأي طرف.
وفي هذا الإطار، يبرز اسم نواف التمياط كأحد أكثر الشخصيات قبولًا لدى الشارع الرياضي، لما يحمله من رصيد فني وإنساني وإداري. فقد مارس كرة القدم على أعلى المستويات، وكان أحد أبرز نجومها، ثم انتقل بسلاسة إلى العمل الإداري والإعلامي، واكتسب خبرات متنوعة من خلال المبادرات المجتمعية والأنشطة الاجتماعية، إلى جانب شبكة علاقات واسعة داخل المملكة وخارجها. وهي منظومة خبرات متكاملة تُسهم في تشكيل قائد قادر على قراءة المشهد الرياضي بجميع أبعاده.
نواف التمياط لا يتصنع القيادة ولا الثقافة ولا الخبرة؛ فهي جزء أصيل من تكوينه وشخصيته. يتميز بهدوء متزن، ووعي عميق، وقدرة على الموازنة بين الحزم والمرونة، وبين الواقعية والطموح، بما يخدم المصلحة العليا لكرة القدم السعودية.
وتزداد أهمية هذه الصفات في المرحلة المقبلة، خصوصًا في الفترة الحساسة التي تسبق كأس العالم، حيث يُعد نواف التمياط من أكثر الأسماء قدرة على إدارة هذه المرحلة بكفاءة. فمعرفته الدقيقة باللاعبين، وقدراتهم الفنية والنفسية، وخبرته في التعامل مع الأجهزة الفنية، تمنحه ميزة حقيقية في تقييم العمل الفني، وتحليل الأداء، والتواصل الفعّال مع المدرب والخبراء، بعيدًا عن الانطباعات السطحية أو الضغوط الخارجية.
كما أن إلمامه بمفاهيم الإحلال والتجديد، ومعرفته بمن يستحق تمثيل المنتخب الوطني وكيفية الاستفادة المثلى من العناصر الحالية والمواهب الصاعدة، تجعله قادرًا على قيادة عملية البناء المرحلي للمنتخب، بما يضمن الجاهزية الفنية والذهنية لكأس العالم. إضافة إلى ذلك، فإن فهمه لمتطلبات الإعداد، وبرامج التجهيز، والتوازن بين الاستحقاقات، يمنحه القدرة على اتخاذ قرارات دقيقة تخدم الهدف الأكبر، وهو الظهور المشرف والمنافس في المحفل العالمي.
ومن هنا، فإن الحديث عن نواف التمياط لا يندرج في إطار المجاملة أو العاطفة، بل يستند إلى قراءة موضوعية لاحتياجات المرحلة. فقد يكون تعيينه خطوة جريئة نحو إحداث تغيير حقيقي في شكل ومضمون الاتحاد السعودي لكرة القدم، تغيير في الفكر قبل الأشخاص، وفي المنهج قبل العناوين، بما يتواكب مع طموحات الكرة السعودية ومكانتها المتنامية على الساحة الدولية.

