المجلس الانتقالي الجنوبي بين مشروع التمثيل ومخاطر تفكيك الدولة والانزلاق نحو الصراع الداخلي
يرى كثيرون أن ما يشهده الجنوب اليوم يعكس مسارًا خطيرًا يعيد إنتاج نماذج الصراع الداخلي، حيث يُنظر إلى قيادة المجلس الانتقالي، وعلى رأسها عيدروس الزبيدي، بوصفها عاملًا دافعًا نحو الاقتتال والحرب الأهلية، على نحو يُشبه تجارب قوى مسلحة أخرى في الإقليم أدخلت مجتمعاتها في دوامات صراع لا تنتهي.
فبعد أن كانت الشرعية تُقدَّم – نظريًا وعمليًا – كحكومة لكل اليمن، جاء المجلس الانتقالي بمشروع سياسي وعسكري يسعى إلى تفكيك هذه الشرعية من الداخل، لا من باب الإصلاح أو الشراكة الوطنية، بل لخدمة أجندة خاصة ومصالح ضيقة، مدعومة بعوامل خارجية واضحة. ويُطرح مفهوم “إدارة شؤون المحافظات بواسطة أبنائها” بوصفه حلًا مرحليًا، لكنه في الواقع – وفق هذا الطرح – ليس إلا خطوة مؤقتة لتمزيق بنية الدولة، تمهيدًا لإحكام السيطرة على مفاصل القرار، قبل أن تصبح تلك المحافظات نفسها خارج دائرة الفعل والتأثير، وكأن حكمها أُودِع “ذمة التاريخ”.
الأحداث على الأرض تُظهر أن المجلس الانتقالي، بينما يرفع شعارات تمكين الجنوب، يواصل الاستفادة من موارد البلاد، في وقت تنشغل فيه المحافظات بصراعات السلطة المحلية، وتغيب فيه الرؤية التنموية الشاملة. ويتجلى ذلك في تعطيل الموانئ والمنشآت الحيوية في الجنوب، وهو ما يطرح تساؤلًا جوهريًا: من المستفيد الحقيقي من شلّ هذه المرافق التي تُعد شريانًا اقتصاديًا للمنطقة وسكانها؟
الأخطر من ذلك أن تداول أفكار تتعلق بالتنسيق أو التعاون مع جماعة الحوثي، ولو على مستوى الطرح أو الإيحاء، يكشف عن حالة ضعف سياسي وعسكري، عند الطرفين ويعكس استعدادًا لتجاوز الثوابت الوطنية في سبيل البقاء. كما يدل على إدراك داخلي بأن المشروع الانتقالي قد لا يصمد أمام اتحاد جنوبي واسع ضده، لا سيما في مناطق مثل حضرموت والمهرة، التي أظهرت مواقف مستقلة ورافضة للوصاية.
وتؤكد تجارب السنوات الماضية أن المجلس الانتقالي لا يتردد في استخدام القوة متى ما توفر السلاح والدعم الخارجي، حتى وإن كان ذلك موجّهًا ضد أبناء الجنوب أنفسهم. وقد شكّلت المواجهات التي استهدفت قوات الشرعية، وما رافقها من عمليات وُصفت بالغدر، جرحًا عميقًا في الوعي الجمعي، يصعب تجاوزه أو تبريره سياسيًا، وهو ما جعل قبول المجلس الانتقالي شعبيًا محل شك واسع.
يُضاف إلى ذلك أن البنية الاجتماعية والسياسية للمجلس الانتقالي تُتهم بالضيق وعدم التمثيل الحقيقي للتنوع الجنوبي، حيث يُنظر إليه باعتباره متمركزًا حول مكون قبلي محدد، الأمر الذي أفقده القدرة على ادعاء تمثيل الجنوب بكل أطيافه وقواه.
في المحصلة، فإن مسار الأحداث يشير إلى أن المشروع الانتقالي، بدل أن يكون عامل توحيد وبناء، أسهم في تعميق الانقسام، وإضعاف مؤسسات الدولة، وفتح الباب أمام صراعات داخلية قد يدفع الجنوب ثمنها طويلًا، ما لم تُستعاد لغة الشراكة الوطنية، وتُقدَّم مصلحة الناس والدولة على حساب السلاح والأجندات الضيقة.

