مقطع لا يسمع… بل يحس
«سنيني يم… وقلبي المركب المتعب… وأنتِ الريح».
من منّا صادف هذا المقطع من أغنية شبيه الريح ولم يتوقف عنده؟ من استطاع أن يمرّ عليه مرورًا عابرًا دون أن يكمله، أو دون أن يعيده مرةً واثنتين، وربما أكثر؟ أجرؤ على القول إن هذا المقطع يُعدّ من اروع وأقوى ما قُدّم في تاريخ الأغنية العربية الحديثة.
فمنذ اللحظة الأولى، تأخذك المقدّمة الموسيقية إلى مساحة شعورية واسعة، تمتزج فيها المتناقضات بانسجام نادر؛ حزنٌ عميق يتجاور مع فرحٍ خفي، خوفٌ قلق يلتقي بإحساسٍ بالأمان، يأسٌ يطلّ برأسه لكنه لا يلبث أن يفسح المجال للأمل والرجاء. هذا التناقض ليس تشويشًا، بل حالة إنسانية صادقة تُشبهنا، وتُشبه تقلبات القلب حين يبحر بين التعب والانتظار.
الكلمات هنا ليست مجرد شعر، بل صورة مكتملة لروحٍ أنهكها السفر، وللقلب الذي صار مركبًا متعبًا يبحث عن ريحٍ تقوده لا تكسِره. أما اللحن، فجاء وفيًّا للنص، يرفعه حينًا ويحتضنه حينًا آخر، بينما يكتمل المشهد بالأداء الذي حمل الإحساس بصدق وعمق دون افتعال.
إنه عمل ناضج، اكتمل شعرًا ولحنًا وأداءً، واستطاع أن يلامس وجدان المستمع لا لأنه جميل فحسب، بل لأنه صادق، ولأن كل عنصر فيه خُلق ليخدم الآخر، فخرج إلينا قطعة فنية متكاملة، تبقى عالقة في الذاكرة، وتُعاد كلما أردنا أن نصغي لقلوبنا قليلًا.

